فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إذ يريكهم الله في منامك قليلًا} فيه قولان:
أحدهما: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى عسكر المشركين في المنام قبل لقائهم في قلَّة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
قال مجاهد: لما أخبر أصحابه بأنه رآهم في المنام قليلًا، كان ذلك تثبيتًا لهم.
قال أبو سليمان الدمشقي: والكلام متعلق بما قبله، فالمعنى: وإن الله لسميع لما يقوله أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ حدثتَهم بما رأيت في منامك.
والثاني: إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها، قاله الحسن.
قال الزجاج: وكثير من النحويين يذهبون إلى هذا المذهب.
ومعناه عندهم: إذ يريكهم الله في موضع منامك، أي: بعينك؛ ثم حذف الموضع، واقام المنام مقامه.
قوله تعالى: {لفشلتم} أي: لجبنتم وتأخَّرتم عن حربهم.
وقال مجاهد: لفشل أصحابك، ولرأوا ذلك في وجهك.
قوله تعالى: {ولتنازعتم في الأمر} أي: لاختلفتم في حربهم، فكان ذلك من دواعي هزيمتكم، {ولكنَّ الله سلم} من المخالفة والفشل. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}
قال مجاهد: رآهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في منامه قليلًا، فقص ذلك على أصحابه؛ فثبّتهم الله بذلك.
وقيل: عنى بالمنام محل النوم وهو العين؛ أي في موضع منامك، فحذف؛ عن الحسن.
قال الزجاج: وهذا مذهبٌ حسنٌ.
ولكن الأولى أسْوُغ في العربية؛ لأنه قد جاء {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44] فدلّ بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم.
ومعنى {لَّفَشِلْتُمْ} لَجَبُنتم عن الحرب.
{وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر} اختلفتم.
{ولكن الله سَلَّمَ} أي سلّمكم من المخالفة.
ابن عباس: من الفشل.
ويحتمل منهما.
وقيل: سلم أي أتم أمر المسلمين بالظفر. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {إذ يريكهم الله} يعني: واذكر يا محمد نعمة الله عليك إذ يريك المشركين {في منامك} يعني في نومك {قليلًا} قال مجاهد: أراهم الله في منامه قليلًا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وكان ذلك تثبيتًا.
وقال محمد بن إسحق: فكان ما أراه الله من ذلك نعمة من نعمه عليهم يشجعهم بها على عدوهم، فكف عنهم بها ما تخوف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم.
وقيل: لما أرى الله النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش في منامه قليلًا فأخبر بذلك أصحابه قالوا: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق فصار ذلك سببًا لجراءتهم على عدوهم وقوة لقلوبهم.
وقال الحسن: إن هذه الإراءة كانت في اليقظة.
والمراد من المنام، العين، لأنها موضع النوم {ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم} يعني لجبنتم والفشل ضعف مع جبن والمعنى ولو أراكهم كثيرًا فذكرت ذلك لأصحابك لفشلوا وجبنوا عنهم {ولتنازعتم في الأمر} يعني اختلفتم في أمر الإقدام عليهم أو الإحجام عنهم وقيل معنى التنازع في الأمر الاختلاف الذي تكون معه مخاصمة ومجادلة ومجادلة كل واحد إلى واحد إلى ناحية والمعنى: لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم {ولكن الله سلم} يعني: ولكن الله سلمكم من التنازع والمخالفة فيما بينكم.
وقيل: معناه ولكن الله سلمكم من الهزيمة والفشل {إنه عليم بذات الصدور} يعني أنه تعالى يعلم ما يحصل في الصدور من الجراءة والجبن والصبر والجزع.
وقال ابن عباس: إنه عليم بما في صدوركم من الحب لله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إذ يريكهم الله في منامك قليلًا}
الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وتظاهرت الروايات أنها رؤيا منام رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الكفار قليلًا فأخبر بها أصحابه فقويت نفوسهم وشجعت على أعدائهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين انتبه: «أبشروا لقد نظرت إلى مصارع القوم» والمراد بالقلّة هنا قلة القدر واليأس والنجدة وأنهم مهزومون مصروعون ولا يحمل على قلة العدد لأنه صلى الله عليه وسلم رؤياه حق وقد كان علم أنهم ما بين تسعمائة إلى ألف فلا يمكن حمل ذلك على قلّة العدد وروي عن الحسن أن معنى {في منامك} في عينك لأنها مكان النوم كما قيل للقطيفة المنامة لأنه ينام فيها فتكون الرؤية في اليقظة وعلى هذا فسّر النقاش وذكره عن المازني وما روي عن الحسن ضعيف، قال الزمخشري وهذا تفسير فيه تعسّف وما أحسب الرواية فيه صحيحة عن الحسن وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته والمعنى: {ولو أراكهم} في منامك {كثيرًا لفشلتم} أي لخرتم وجبنتم عن اللقاء {ولتنازعتم في الأمر} أي تفرّقت آراؤكم في أمر القتال فكان يكون ذلك سببًا لانهزامكم وعدم إقدامكم على قتال أعدائكم لأنه لو رآهم كثيرًا أخبركم برؤياه ففشلتم ولما كان الرسول عليه السلام محميًّا من الفشل معصومًا من النقائص أسند الفشل إلى مَن يمكن ذلك في حقّه فقال تعالى: {لفشلتم} وهذا من محاسن القرآن ولكن الله سلم من الفشل والتنازع والاختلاف بإرايته له صلى الله عليه وسلم الكفار قليلًا فأخبرهم بذلك فقويت به نفوسهم {إنه عليم بذات الصدور} يعلم ما سيكون فيها من الجرأة والجبن والصبر والجزع {وإذ} بدل من {إذ} وانتصب {قليلًا}.
قال الزمخشري على الحال وما قاله ظاهر لأنّ أرى منقولة بالهمزة من رأى البصرية فتعدت إلى اثنين الأوّل كاف خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني ضمير الكفار فقليلًا وكثيرًا منصوبان على الحال وزعم بعض النحويين أن أرى الحلمية تتعدى إلى ثلاثة كأعلم وجعل من ذلك قوله تعالى: {إذ يريكم الله في منامك قليلًا} فانتصاب قليلًا عنده على أنه مفعول ثالث وجواز حذف هذا المنصوب اقتصارًا يبطل هذا المذهب.
تقول رأيت زيدًا في النوم وأراني الله زيدًا في النوم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله في مَنَامِكَ قَلِيلًا}
منصوبٌ باذكُرْ أو بدلٌ آخرُ من (يومَ الفرقان) أو متعلقٌ بعليم أي يعلم المصالحَ إذ يقلّلهم في عينك في رؤياك وهو أن تخبِرَ به أصحابَكم فيكونَ تثبيتًا لهم وتشجيعًا على عدوهم {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ} أي لجبُنتم وهِبتم الإقدام {ولتنازعتم في الأمر} أي أمر القتال وتفرقتْ آراؤُكم في الثبات والقرار {ولكن الله سَلَّمَ} أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازعِ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجُبن والصبر والجزَعِ ولذلك دبّر ما دبر. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ الله في مَنَامِكَ قَلِيلًا}
مقدر باذكر أو بدل من {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] وجوز أن يتعلق ب {عليم} [الأنفال: 42] وليس بشيء، ونصب قليلًا على أنه مفعول ثالث عند الأجهوري أو حال على ما يفهمه كلام غيره.
والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم أرى ما أرى في النوم وهو الظاهر المتبادر، وحكمة إراءتهم إياه صلى الله عليه وسلم وسلم قليلين أن يخبر أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكون ذلك تثبيتًا لهم، وعن الحسن أنه فسر المنام بالعين لأنها مكان النوم كما يقال للقطيفة المنامة لأنها ينام فيها فلم تكن عنده هناك رؤيا أصلًا بل كانت رؤية، وإليه ذهب البلخي ولا يخفى ما فيه لأن المنام شائع بمعنى النوم مصدر ميمي على ما قال بعض المحققين أوفى موضع الشخص النائم على ما في الكشف ففي الحمل على خلاف ذلك تعقيد ولا نكتة فيه، وما قيل: إن فائدة العدول الدلالة على الأمن الوافر فليس بشيء لأنه لا يفيد ذلك فالنوم في تلك الحال دليل إلا من لا أن يريهم في عينه التي هي محل النوم، على أن الروايات الجمة برؤيته صلى الله عليه وسلم إياهم منامًا وقص ذلك على أصحابه مشهورة لا يعارضها كون العين مكان النوم نظرًا إلى الظاهر، ولعل الرواية عن الحسن غير صحيحة فإنه الفصيح العالم بكلام العرب، وتخريج كلامه على أن في الكلام مضافًا محذوفًا أقيم المضاف إليه مقامه أي في موضع منامك مما لا يرتضيه اليقظان أيضًا، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة الغريبة، والمراد إذا أراكهم الله قليلًا {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ} أي لجبنتم وهبتم الإقدام، وجمع ضمير الخطاب في الجزاء مع إفراده في الشرط إشارة كما قيل: إلى أن الجبن يعرض لهم لا له صلى الله عليه وسلم إن كان الخطاب للأصحاب فقط وإن كان للكل يكون من إسناد ما للأكثر للكل {ولتنازعتم في الأمر} أي أمر القتال وتفرقت آراؤكم في الثبات والفرار {ولكن الله سَلَّمَ} أي أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي الخواطر التي جعلت كأنها مالكة للصدور، والمراد أنه يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع ولذلك دبر ما دبر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إذ يريكهم الله} بدل من قوله: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} [الأنفال: 42] فإنّ هذه الرؤيا ممّا اشتمل عليه زمان كونهم بالعدوة الدنيا لوقوعها في مدّة نزول المسلمين بالعدوة من بدر، فهو بدل من بدل.
والمنام مصدر ميمي بمعنى النوم، ويطلق على زمن النوم وعلى مكانه.
ويتعلق قوله: {في منامك} بفعل {يريكهم}، فالإراءة إراءة رؤيا، وأسندت الإراءة إلى الله تعالى؛ لأنّ رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وحي بمدلولها، كما دلّ عليه قوله تعالى، حكاية عن إبراهيم وابنه {قال يا بُنَيّ إنّيَ أرى في المنام أنِّي أذْبَحُك فانْظُر ماذا ترى قال يا أبَتتِ افعل ما تؤمر} [الصافات: 102] فإنّ أرواح الأنبياء لا تغلبها الأخلاط، ولا تجول حواسهم الباطنة في العبث، فما رؤياهم إلاّ مكاشفات روحانية على عالم الحقائِق.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى رؤيا مناممٍ، جيشَ المشركين قليلًا، أي قليل العَدد وأخبر برؤياه المسلمين فتشجّعوا للقاء المشركين، وحملوها على ظاهرها، وزال عنهم ما كان يخامرهم من تهيّب جيش المشركين.
فكانت تلك الرؤيا من أسباب النصر، وكانت تلك الرؤيا منّة من الله على رسوله والمؤمنين، وكانت قِلة العدد في الرؤيا رَمزًا وكناية عن وهن أمر المشركين لا عن قلّة عددهم.